رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
بلهجة حاول أن يجعلها متأثرة متعاطفة معها ليتمكن من خداعها وإجبارها على الاقتناع بحججه الواهية
صدقيني أنا عملت كل اللي أقدر عليه عشان أنقذ حياتك...
ادعى اختناق صوته وهو يتابع
غير كده كنت خسرتك للأبد...
أغمض عينيه للحظة قبل أن يفتحهما ليقول مع تنهيدة ثقيلة
وأنا مش متخيل حياتي بدونك.
نظرت إليه من بين دموعها بلوم شديد ورأى ذلك جليا في تعبيرات وجهها الناطقة بمدى عمق تأثير خسارتها عليها حاول أن يلطف من الأجواء فقال والتوتر ظاهر في نبرته
هل حقا يصدق عبارته السخيفة تلك على ما يبدو لم يكن موفقا في اختيارها لهذا شعر بتخشبها قبل أن تنتشل يديها من راحتيه زر ما بين عينيه ناظرا إليها بترقب فرفعت ذراعيها
للأعلى ودفعته من صدره بقوة وهي تسأله في صوت مليء بالاتهام
وهخلف إزاي هيبقى عندي عيال منين
حاول التعامل مع عصبيتها المبررة بكل تعقل وحكمة فاقترب منها قائلا بتوسل
رفضت لمساته وصړخت فيه
سيبني متقربش مني..
تجمد في موضعه ونظراته تتابعها تلفتت ناريمان حولها باحثة عن حقيبة يدها وصوتها لا يزال ېصرخ
أنا عاوزة أمشي من هنا أنا مخڼوقة.
لم يمسها واكتفى بالإشارة لها وهو يظهر انصياعه لما تريد
حاضر اللي إنتي عايزاه هعمله...
ظلت تحدجه بهذه النظرة الڼارية ومع ذلك قابلها بكل محبة وود ليخبرها في إصرار معاند لها
انخرطت مجددا في نوبة بكاء أعنف فما كان منه إلا أن تقدم ناحيتها
نظر حوله بعينين مزعوجتين فالبيت لم يكن مرتبا مثلما كان في السابق وغالبية الأشياء إما متروكة في حالة إهمال أو غير نظيفة حتى ثيابه كانت لا تغسل إلا مرة واحدة أسبوعيا فيضطر بنفسه لتنظيفها وأيضا رعاية طفلته الرضيعة لم يكتف بذلك بل كان على قدر استطاعته يزيح الغبار المتراكم هنا وهناك محاولا جعل المنزل منظما. هذا النهار فاض به الكيل من الصمت والسكوت عما لا يرضيه فقرر الحديث إلى زوجته وإنهاء عملها الذي أصاب روتين العائلة بالخلل. انتظر عودتها ليفاتحها في الأمر فاستطرد في لهجة معاتبة
وكأنه كان ينقصها تذمره ليقضي على ما تبقى لديها من طاقة استنفذت في العمل اڼفجرت هادرة به بتشنج
أنا بني آدمة وبروح ھموت نفسي يعني ولا تكونش مفكرني الخدامة اللي جبوهالك أهلك.
ضيق عينيه في استعتاب أكبر ورد
الله يسامحك بس الوضع مابقاش ينفع.
زمت هاتفة بسخط
أل يعني كان بمزاجي!
خلاص مالوش لازمة الشغل اللي معطلك عن بيتك ده.
رمقته بهذه النظرة الهازئة المستنقصة من رجولته قبل أن تهاجمه لفظيا
ومين هيصرف علينا إنت مثلا!!
رنة الاستحقار الظاهرة في صوتها أحرجته وجعلت ملامحه تغيم بشدة فقال في ضيق
أنا بعمل اللي ربنا بيقدرني عليه.
مجددا سخرت منه بإهانة واضحة
أه بأمارة ما أنا رامية البت طول النهار عند الجيران عشان ماتحوجش للي يسوى واللي مايسواش!!!
يا راجل إنت ليك عين تتكلم أصلا ما تطلع من جيبك وتديني العشرات والميات!!
خجل من عجزه المادي وأطبق على شفتيه مانعا نفسه من مجاراتها في جدالها المسيء فمنحها ذلك الأفضلية عليه لتشعر بأنها صاحبة الصوت الأعلى في هذا البيت بعدما استطاعت أن تتدبر احتياجاته بعملها تحركت بتكاسل تجاهه حدجته بهذه النظرة القوية ثم رفعت يدها وربتت على كتفه قائلة بتحد كانت واثقة أنه لن يجرؤ على الإقدام عليه
يوم ما تصرف على البيت ده وتستتني زي الرجالة اللي بجد يبقالك الكلام غير كده هو ده اللي عندي يا جوزي!
كلمتها الأخيرة كانت ساخرة ومهينة إلى شخصه ابتلع عوض مرارة الإهانة وأحنى رأسه على صدره لتتركه فردوس في مكانه متسمرا حتى تتجه إلى غرفة نومها وتبدل ثياب العمل بأخرى مريحة. شيعها زوجها بنظراته الآسفة متمتما في قلة حيلة
هقول
إيه بس غير ربنا يهديكي لحالك.
منذ أن عاد إلى المنزل وهو شارد الذهن ممتنع عن الكلام وكأنه معزول عمن حوله كان ينظر بفتور إلى زوجته حتى طفلتيه لم يشاركهما اللعب كما
اعتاد كل يوم فقد هبط خبر حمل ناريمان كالصاعقة على رأسه وأربك كافة مخططاته حاولت تهاني استدراجه في الحديث ليفصح لها عما يشغل باله لكنه تعلل بضغوطات العمل المستمرة لم تحاصره كثيرا بأسئلتها وقدمت له هدية مغلفة لم يتوقعها منها نظر إلى ذلك الشيء الملفوف في ورق مفضض متسائلا
دي عبارة عن إيه
مسدت على وجنته برفق وقالت في صوت متحمس
افتحها وإنت تعرف.
راقبته باهتمام شغف وهو يفض ورقها اللامع لتعلق بمزيد من الحماس
يا رب تعجبك.
تأمل ما أهدته إياه كان إطارا خشبيا موضوعا به صورة فوتوغرافية للتوأم وهما تضحكان في براءة. أعجبته بشدة وقال في مدح كبير
حلوة أوي.
ابتسمت في سرور لأنها نالت استحسانه وعلقت في حيوية
المرة الجاية نتصور كلنا سوا.
لم ينظر تجاهها بقيت عيناه مرتكزتان على الصورة المبهجة واكتفى فقط بالهمهمة المقتضبة
أكيد.
بعدما استفاقت من حالة الهياج العصبي التي سيطرت عليها لعدة أيام واستعادت هدوئها السابق اقترح عليها مهاب الانضمام إليه والانخراط في سوق العمل لملء الفراغ الكبير الذي يشغل معظم وقتها في البداية اعترضت على ذلك لكن مع إصراره المستمر قبلت بعرضه كنوع من الإلهاء. شغلت ناريمان منصبا هاما في مشفى زوجها الاستثماري لا يتناسب مع مؤهلاتها ولا قدراتها مما أدى لوقوعها في أخطاء فادحة ترتب عليها نتائج خطېرة تسببت في تعريض بعض المرضى للأذى ومن ضمنهم واحد من الشخصيات الهامة. اكتشف ممدوح الأمر ورفض التستر عليه صائحا پغضب وقد ألقى بالأوراق جانبا
إنت عاوزني أسكت إزاي ده ممكن كلنا نروح في داهية لو اتكشفت الکاړثة دي!
أبقى مهاب نظراته ثابتة على رفيقه ثم خاطبه في مكر
أومال أنا جايلك ليه ما إنت اللي بتظبطلنا كل حاجة.
ضم الأخير شفتيه في تردد لا يخلو من الحنق فواصل مهاب الكلام بجدية
وبعدين اعتبرها خدمة قصاد خدمة!
انتفض ذلك العرق النابض في وجهه وصاح معترضا بتبرم ممزوج بالسخرية ويده تطرق بغيظ على سطح المكتب
بالبساطة دي ده حتى خدمة تودي ورا الشمس!
أكد له بثقة وبتعبير هادئ مرسوم على قسماته وهو لا يزال جالسا باسترخاء على المقعد المواجه له
ما احنا في إيدنا كل حاجة هنظبط الوضع بحيث لو حد شم خبر يلاقوا اللي يشيل.
رمقه ممدوح بهذه النظرة المتشككة قبل أن يسأله من موضعه مستفهما
شكل دماغك فيها حد معين مظبوط
أجابه مومئا برأسه
أيوه مافيش إلا هي!
تحفز في جلسته وسأله
قصدك مين
بعد سكوت لحظي أجاب دون تمهيد
تهاني!
اڼصدم بما قال فردد بعفوية
مراتي
اعتلى فمه ابتسامة خبيثة قبل أن يرد
هو في غيرها.
شرد بنظرته لهنيهة وكأنه يفكر في اقتراحه اللئيم ليحتج بعدها
بس اللي إنت طلبه صعب!
زوى مهاب ما بين حاجبيه قائلا في لهجة صريحة
هنضحك على بعض إنت جبت أخرك منها وعايز تخلص من الجوازة دي وتشوفلك سكة أحسن.
ادعى اهتمامه بشأنها فقال بتحيز
بس مش بالشكل ده مهما كان دي أم بناتي عايزهم يتربوا من غير أم
عقب عليه في تهكم مستفز
إذا كان هما طول اليوم أعدين مع المربية صح ولا أنا غلطان
وقبل أن يحتج أكثر كنوع من حفظ ماء الوجه بادر بالاقتراح المغري ليضمن التأثير عليه
وبعدين أنا هجيبلك أحسن واحدة تربيهم وإنت تعيش حياتك ده غير المميزات التانية اللي هتاخدها وإنت عارفني يا إما برفع اللي معايا لسابع سما أو أمحيه من على وجه الأرض.
النظرة الغامضة التي سادت وجه ممدوح أكدت اقتناعه بتنفيذ فكرته الشيطانية للخلاص منها فقد كان ضعيفا أمام وسائل الإغراء أيا كانت نوعها طالما أنها تخدم مصالحه الشخصية وتأتي عليه بالنفع في الأخير. ليبدو وكأنه يفكر في الأمر ادعى
بعد صمته المدروس
طيب سيبلي الورق ده وأنا هشوف هتصرف إزاي.
اتسعت ابتسامته المنتصرة أكثر وهو يمتدحه
تعجبني.
صحح له مشيرا بإصبعه قبل أن يجمع الأوراق المتناثرة هنا وهناك ليسويها
ما هو كله بحسابه في الآخر!
بعدئذ نهض مهاب من موضع جلوسه زرر سترته ثم مد يده ناحيته ليصافحه كتأكيد صريح ونهائي على اتفاقهما في المضي معا في وضع تفاصيل هذه الخطة الخبيثة وإن كان في تنفيذها ټدمير الأبرياء!!!
يتبع الفصل التاسع والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
ما لا يمكن الاحتفاظ به
كان اليوم مشحونا منذ مطلع النهار خاصة مع اعتذار المربية عن القدوم اليوم لممارسة مهامها المعتادة في رعاية الصغار لهذا اضطرت تهاني لاصطحاب أطفالها معها وتركهم بالمكتب ريثما تنتهي من جدول أعمالها المزدحم. نهضت من خلف مقعدها بعدما جمعت الأوراق المطلوب إرسالها لمعمل التحاليل وابتسمت لصغيرها قائلة في صوت حنون لكنه لا يخلو من الحزم
حبيبي خد بالك من إخواتك لحد ما أرجع أنا مش هتأخر هما 5 دقايق بس.
اكتفى بهز رأسه وهو يدير رأسه لينظر إلى شقيقتيه التوأم بنظرات جادة ليعاود التحديق فيها فوجدها تتحرك صوب باب الغرفة قبل أن تضع يدها على المقبض لتفتحه وجدت زوجها يسبقها تبسمت لرؤياه وقالت في سرور لا يمكن إنكاره
ممدوح! إنت مش كان وراك آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها متسائلا بوجه جاد التعبيرات ونبرة أقرب للجدية
البنات معاكي
عقدت حاجبيها مجيبة إياه
أيوه.
سار نحو الداخل متابعا كلامه ونظرة مزعوجة سددها نحو أوس
طيب أنا اتصرفت في مربية معرفة حد من زمايلي هي هتيجي البيت دلوقتي تقعد بيهم أنا هاخدهم.
مدت يدها لتستوقفه من ذراعه وهي تسأله
وأوس
انتشل يدها من على ذراعه متعللا في وجوم وكأنه يرفض بشكل غير مباشر أخذه
ما إنتي عارفاه مابيسمعش الكلام ولا أنا بقدر أسيطر عليه.
تساءلت في تحير
والعمل هسيبه هنا لواحده ده صغير وآ..
قاطعها للمرة الثانية مرددا
بصي هكلم أبوه يتصرف وهو عنده بدل الخدامة عشرة!
استحسنت اقتراحه وقالت في تأييد
أوكي يكون أحسن برضوه.
تقدم ممدوح نحو رضيعتيه ليجر العربة التي تضمهما بعدما منحهما قدرا من الحب والاهتمام ليلقي بعدها بنظرة كارهة إلى الصغير أوس قبل أن يميل برأسه عليه ليهمس له في شيء من الحقد
خليك لواحدك محدش طايقك.
في قرارة نفسه كان ممتنا لذهابه فتواجده معه مؤخرا كان يسبب له الكوابيس والمزيد من مشاعر الخۏف والقلق.
ما إن ابتعد حتى تنفس الصعداء وبدا مسترخيا لرحيله لم تلحظ تهاني ما يصيب ابنها من تبدل أحواله بمجرد أن يصبح قريبا من زوجها وظنت كما يدعي الأخير أن ما يدور بينهما نوعا من العناد الطفولي والاستفزاز الأبله لذلك لم تعر الأمر الاهتمام الكبير. مرة أخرى عادت إلى ابنها لتخاطبه في ودية
حبيبي أنا رايحة مع عمو ممدوح وجيالك تاني.
لم ينبس بكلمة فداعبت شعره وتركته لتلحق بزوجها فظل بمفرده متنعما بالبقاء دون الشعور بأنه مراقب وتحت الټهديد.
في سعيه للاڼتقام والتخلص من الأخطار المحتملة لم يكف مهاب عن التفكير في كافة السيناريوهات المقترحة لتنفيذ الأفضل منها في أقرب وقت. دبر لهذا اللقاء مع أحد أتباعه
متابعة القراءة