رحلة اثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


فيه. 
قبل موعد العمل بنصف الساعة كانت فردوس تقف أمام باب منزل جارتها مدت فردوس يدها بكيس بلاستيكي فيه ما قد تحتاج إليه ابنتها بعدما ناولتها تقى وأبدت اعتذارها الحرج منها وهي تخاطبها
معلش ياختي هتقل عليكي اليومين دول لحد ما أفهم الدنيا فيها إيه.
عاتبتها إجلال في عبوس زائف رسمته على تقاسيمها
ما تقوليش كده وربنا أزعل منك.

سرعان ما بدلته ليحتل تعبير وجهها آخر بشوش وهي توصيها
إنتي بس ركزي وربنا هيردك مجبورة الخاطر.
حاولت التهوين عليها بقولها المتفائل
كله بيعدي يا دوسة استبشري خير إنتي بس.
هزت رأسها بخفة ثم أضافت فيما يشبه الوعد
بكرة لما القرش يجري في إيدي هراضيكي.
اعترضت عليها بلطافة
وربنا ما عايزة حاجة ده كفاية عليا الملاك اللي قاعدة في حضڼي.
ثم شددت من ضمتها الحنون للرضيعة فنظرت إليها فردوس بعينين ينقص منهما العاطفة شتت نظراتها عن ابنتها عندما خاطبتها إجلال من جديد
يالا علشان ما تتأخريش.
لوحت لها بيدها تودعها وقد استدارت هابطة على الدرجات
فوتك بعافية!
انتظرت الأخيرة مغادرتها لتغلق الباب بهدوء وتبدأ في تمضية نهارها بصحبة من تسليها ببراءتها وتملأ عليها فراغ يومها الرتيب بمداعباتها المرحة.
..................................................
في غضون شهرين كان مهاب قد انتهى من إكمال كل شيء ينقصه لإتمام مراسم الزيجة بعيدا عن الجميع ومتعمدا أيضا منع ابنه من الحضور لطبيعة ظرف زواجه في حين اندلعت مشاعر الحقد والغيرة بداخل نفس ممدوح الذي لم يكف عن مقارنة نفسه به لهذا صب جام غضبه على أوس وأصر على إبعاده هو الآخر عن عينيه بإرساله للمدرسة الداخلية بحجة أنها الأفضل في تهذيب وتطوير شخصيته المتمردة ولم يمانع والده فقد كان منشغلا بالاستمتاع برفاهية قضاء شهر العسل في واحدة من الدول الأوروبية ولم يكن بحاجة لمن يفسد عليه هذه المتعة الخاصة وإن عنى بذلك إقصاء وحيده.
اقتاده المشرف إلى غرفة مدير المؤسسة التعليمية بعدما وجده يتشاجر پعنف وقسۏة مع أحد الطلاب في الفناء الخلفي دون سبب يستحق ذلك لم تكن هذه مرته الأولى التي يحاصر فيها أحدهم وينهال عليه بالركلات واللكمات بل تكرر الأمر كثيرا وفي كل مرة يأتي بحجة مختلفة لكن مؤخرا لم يعد يعطي أي مبررات واستمر في افتعال المزيد من المشاحنات. انزعج المدير من سلوكه العدواني الذي صار ملازما له غالبية الوقت على غير عادته قديما. ما إن رآه حتى هتف به بصوت غاضب وهذه النظرة المشټعلة تتناثر في عينيه
إنت تاني
تعامل معه أوس ببرود وكأنه لم يقترف جرما وقف معتدا بنفسه وتجاهله عن عمد ليستشيط المدير حنقا فصاح يوبخه لفظيا
مش ممكن اللي بيحصل ده أعاقبك بإيه تاني
ظل على جموده معه مما استحث المدير على الصړاخ به
حتى استدعاء ولي الأمر مابقاش نافع معاك!!
تحرك المدير من موضعه ليبحث عن ملفه في الرف العلوي متابعا هديره المحتد
وجودك في المدرسة عندي بقى کاړثة.
وجده في المنتصف واستدار ناظرا إليه بغل وهو يخبره بصرامة
مستحيل تفضل هنا إنت بتدمر سمعة المكان.
بدا أوس غير متأثر بهياجه واكتفى بمتابعته بنظرته غير المبالية حتى عندما هدده
أنا هكلم أهلك يجوا ياخدوك.
ثم وجه بعدها المدير أمره للمشرف وهو يشير بسبابته
خليه مع الأخصائي لحد ما
أشوف هتصرف إزاي.
رد في طاعة
تمام يا فندم.
ثم اجتذب أوس بخشونة طفيفة من ذراعه ليدفعه أمامه وهو يأمره
اتفضل معايا.
نظر إليه شزرا وأكمل بما يحمل الإهانة
أهل إيه دول اللي جايبين عيل بالشكل ده!
احتقنت دمائه بشدة وكاد يتطاول باليد على المشرف جراء إساءته له لولا أن نشب شجار آخر بين العشوائية والهوجاء منهم وضع أوس يديه في جيبي بنطاله ونظر إليه بتشف فقد نال ما يستحق دون أن يبذل الجهد في ذلك.
أطفأ ممدوح عقب سيجارته غير المنتهية وأشغل أخرى ليسحب دخانها بعمق وكأنه يريد إنهائها في مرة واحدة ليظل على شروده الواجم بصالة منزله ورأسه لا يتوقف عن التفكير في كيفية إفساد استقراره الجديد بإعادة جره لطريق الملذات المحرمة والمجون فثمة شيء خبيث ما زال يضمره في صدره ضده لا ينقص بمرور الأيام بل إنه يزداد ترسخا بداخله. انتشله من دوامة انفصاله عن الواقع المحيط به صوت تهاني المتسائل وهي تقف قبالته
سرحان في إيه يا حبيبي
لفظ سحابة كبيرة من الدخان في الهواء وأجابها بنفس الرد الروتيني السخيف
في الشغل.
لم ترتب للحظة في أمره وتحركت من حوله لتجلس على مسند الأريكة فردت ذراعها لتحاوطه به من كتفيه واستخدمت يدها الأخرى في ملامسة طرف ذقنه برقة قبل أن تتساءل باهتمام
عندك مشاكل فيه ولا إيه
راوغها في الرد قائلا باقتضاب
يعني.
توهمت أن لانزعاجه علاقة بمن لا يتورع عن تكدير سلامها الأسري تلقائيا تصلبت في جلستها وسألته مباشرة
مهاب ضايقك تاني
قدمت له الحل المثالي للتغطية تماما على ما يدور في خلده فادعى كڈبا
هو أنا كنت مكلمه على زيادة في المرتب بتاعي بس هو طنشني.
تدلى فكها للأسفل وتابعته بملامح مزعوجة للغاية خاصة وهو لا يزال يتحدث بتذمر
طبعا عاملي فيها عريس جديد وأول مرة يتجوز وكل ده علشان يذلني.
في التو أخبرته وهي تنتقل من موضع جلوسها للاستقرار في حجره
ما تشلش هم حاجة طول ما أنا معاك يا حبيبي احنا الاتنين واحد.
مد ذراعه ليطفئ سيجارته في المنفضة المصنوعة من الكريستال ثم لفه حول خصرها وقال في شيء من الحرج لتنطلي عليها خدعة خجله من الاقتراض منها
أنا تقلت عليكي أوي يا تهاني المفروض أنا اللي أجيبلك كل اللي ينقصك مش العكس...
كادت ترد عليه لكنه أسكتها بوضع إصبعه على فمها مكملا بصوت أجاد إظهاره بأنه مخټنق
بس مهاب عارف إزاي

يضايقني وكل ده عشان أضطر أسيبك إنتي والبنات.
فزع داخلها وجف حلقها من مجرد توهم حدوث ذلك في التو احتضنت وجهه براحتيها وأخبرته بتوجس
أنا كلي فداك.
ربت على ظهرها بخفة غير مكترث بإخفاء هذه البسمة اللعوب التي ظهرت على شفتيه تراجعت تهاني عنه لتطلب منه في تدلل رقيق
حبيبي ممكن أطلب منك طلب
سألها بجدية بعدما خبت ابتسامته
خير
لم تكن تملك من الشجاعة الكافية ما يجعلها تخبره بمسألة فصل ابنها من مدرسته الداخلية وإلا لثار عليها وتأزم الموقف فلجأت لحجة مناسبة أملت أن تنطلي عليه. تنحنحت قائلة بتردد
ينفع أوس يقضي معانا يومين الأجازة بتوعه هنا
تنهد في زفرة بطيئة وهو يرمقها بهذه النظرة المتشككة ثم قال بمكر ليبدو أمامها وكأنه خاضع لما تمليه عليه حتى يظفر بالمزيد من المال منها
مع إنه مزعلني آخر مرة بس علشان خاطرك بس.
مجددا ألقت بنفسها في أحضانه وهي تشكره بشدة
حبيبي ربنا يخليك لينا...
وإنت شوف
ناقصك إيه وأنا أجيبهولك وبزيادة.
التوى ثغره بابتسامة سخيفة هازئة من سذاجتها التي تستفزه أكثر عن كل مرة العجيبة أنها تصدق في تعلقه القوي بها وهو قد بات فاتر المشاعر تجاهها حتى تودده الحميمي إليها أصبح محدودا لذا من البديهي أن تلاحظ ذلك لكنها كانت حمقاء لا تدرك حقيقة زواجهما الواهي ما أغاظه حقا منها هو موقفها المتراخي تجاه ابنها فواحدة غيرها كانت خاصمت العالم بأسره لأجله خاصة مع جم ما تعرضت له من إذلال وهوان لتبقيه في أحضانها لكنها مع الوقت اختارت ما يرضيها شخصيا متناسية حقوق صغيرها عليها ومتوقع منها أن تفعل المثل مع توأمتيه لهذا أباح لنفسه كل الوسائل لاستنزافها حتى تحين اللحظة المناسبة ويتخلص منها !!!!.
يتبع الفصل السادس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
بذرة الشرور
بحركة اهتزازية رتيبة ظل الصغير أوس يحرك ساقه اليسرى للأمام والخلف وهو ينتظر خارج مكتب مدير مدرسته الداخلية حيث تلتقي والدته به بعدما تم استدعائها لاستلام أوراقه لنقله من هذا الصرح التعليمي. للغرابة تفاجأ بها تدافع عنه بضراوة وتختلق له الحجج والأعذار لتبرر سلوكياته وتصرفاته المتجاوزة فصوتها المرتفع قد وصل إليه وجعله على دراية بما يدور بالداخل دون الحاجة للتواجد فعليا معهما. لم يتوقع منها أن تفعل ذلك خاصة بعد أن ازدادت الفجوة بينهما وأصبح تواصلهما كأم مع ابنها محدودا ومقتضبا حينئذ شعر بشيء من السرور ينتعش بداخله يا ليتها استمرت على ذلك النهج لما صار بهذا العناد!
تصلب في جلسته وتوقف عن هز ساقه عندما فتح الباب فجأة نظر إلى الجانب فوجد والدته تخاطب المدير في لهجة متشددة
أكيد مش هغلب وهلاقي لابني مكان يقدر يفهم طبيعة شخصيته ويساعده يبقى أفضل مش يحمله الذنب ويرميه كأنه نكرة.
جاء صوته جادا حينما علق عليها بما يشبه النصيحة
اللي بنعمله ده لمصلحته والأهم إن سلوكه يتغير لأنه لو فضل على كده صدقيني مافيش مكان محترم هيقبل بيه.
تحدته قائلة بضيق
هنشوف...
ثم استدارت برأسها نحو ابنها لتنظر إليه وهي تأمره
يالا يا أوس علشان نمشي.
نهض من مكانه ساحبا معه حقيبته التي امتلأت بكافة متعلقاته الشخصية أخذتها منه والدته وقالت كنوع من المواساة
معلش يا حبيبي هما خسروك.
لم يبد مباليا بالمرة بشأن فصله بل شعر وكأنه أزاح ثقلا عن صدره بالتخلص من ذلك المكان استمع إليها وهي تؤكد له
بكرة تروح مدرسة تانية أحسن من دي بمليون مرة.
اكتفى بالإيماء برأسه فطلبت منه بصوت ترقرق إلى حد ما
بس ممكن أطلب منك طلب
نظر لها بعينين متسائلتين فأوضحت له وهي تضع على ابتسامة صغيرة
يا ريت ماتحكيش عن اللي حصل ده لعمو ممدوح
تعكرت ملامحه وأشاح بوجهه بعيدا عن نظرتها المهتمة فاستمرت في سرد أسبابها
مش حباه يفضل فاكر إنك لسه مشاغب وبتعمل مشاكل وده مش حلو علشان علاقتكم سوا أنا عايزاكم تبقوا زي الأصحاب كأب وابنه.
وكأنها لم تقل شيئا ألقى ما فاهت به وراء ظهره وواصل السير دون كلام بينما تهاني لا تزال تخاطبه في ودية
وبعدين أنا زمايلي قالولي عن مدرسة لطيفة أحسن من دي وهتكون قريبة من البيت.
ظل على صمته معها فحاولت كسر حاجز السكوت الذي يضعها معها بإشراكه في الحوار
ها إيه رأيك
رد بغير اكتراث وهو يهز كتفيه
عادي.
انتقلت لسؤال آخر محاولة استطالة الحديث معه
مانفسكش تشوف إخواتك
نظر إليها باهتمام لا يمكن إنكاره فأضافت في حماس
دول كبروا شوية ولما حد بيكلمهم بيضحكوا.
ثم حاوطته من كتفيه بذراعها وتابعت بنفس النبرة النشطة
هتتبسط أوي لما تجرب تعمل كده.
ظل واضعا لقناع الجمود على محياه رغم ذلك الشعور اللطيف بالمرح الذي تخلله لمجرد تخيله مشاركتهما اللعب واللهو بلا مراقبة أو سلطة.
...........................................................
جراء ما تعرضت له مؤخرا من تطورات صحية مفاجئة تخلت عن فكرة إقامة حفل زفاف أسطوري يتحاكى عنه الجميع لأشهر وربما لسنوات مثلما حلمت طوال عمرها لتكتفي بتنظيم حفل ذي مستوى راق بالكاد يرتقي لتطلعاتها دعت للحضور إليه قلة معدودة ممن تربطهم الصلة الوثيقة بالعائلتين تجنبا للقيل والقال وتناثر الأخبار والشائعات المغلوطة لتسافر بعدها إلى الخارج مستمتعة بالأيام الأولى في زواجها. 
شعرت ناريمان بالغرابة والقلق ولم تستطع مغالبة هذه المشاعر المضطربة رغم بذل مهاب كل الجهد لإسعادها وإشعارها بالتميز والاختلاف لن تنكر
 

تم نسخ الرابط