رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
برضوه مصمم تعمل الغلط مش أنا نبهت عليك
نظر لها مصډوما وبعينين ذاهلتين وهي لا تزال تلقي بكامل اللوم على ابنها
بجد إنت تعبتني أعمل إيه بس معاك
اشټعل داخلها بغضبه المتأجج وراح يهتف في حړقة
صدقيني يا ماما أنا معملتش حاجة!
توقف للحظة ليأخذ نفسه ثم استأنف مشيرا بسبابته نحو من يبغض بشدة
هو بيكدب!
وكأن تأثير كلمته الأخيرة قد أعطته التفويض ليتعامل معه مثلما أراد بكل عدائية وقسۏة فاستغل تأزم الوضع ليقول بتشدد
كانت على وشك النطق بشيء فأخرسها بصرامته وإصبعه مرفوع أمام وجهها
وإياكي تتدخلي وإلا هنزعل من بعض.
ارتاعت من تهديده وقفز قلبها بين ضلوعها فرجته
ممدوح!
أمرها بصرامة وهو يتحرك صوب أوس في انقضاض واضح
الفصل الرابع والثلاثون
خلل
بمجرد أن اختلى به في غرفته ألقاه أرضا بخشونة واضحة لتصطدم رأسه بالأرضية الصلبة ربما لم يفكر في إيذائه بدنيا لكن فكرة إرهابه في حد ذاتها وترويض تمرده إن لزم الأمر بأي وسيلة يراها مناسبة كانت وحدها كفيلة بجعل ذلك الشعور الممتع بالسيطرة يغمره بقوة. ارتسم
ضغط على كل كلمة تفوه بها حين واصل الكلام وهو يسدد له تلك النظرة القاتمة
حتى أبوك...
أنا عرفت أضحك عليه إزاي وأخليه يبقى في صفي لأن ببساطة أنا فاهمه كويس وكل مفاتيحه معايا.
تزحف أوس للخلف على مرفقيه حين خطا تجاهه لينأى بنفسه عن أي حركة غدر غير متوقعة
من هنا ورايح روحك بقت في إيدي.
وحياتك چحيم معايا!
حاول أوس انتزاع أصابعه من على فكيه بأقصى طاقته لكنه عجز أمام قوته الجسمانية المتحكمة به كان كالدمية تحت قبضته يطوحه هنا وهناك كيفما يشاء آنئذ تزعزعت الثقة التي كانت تسود داخله بأنه قادر على كبحه والتصدي له حين يفكر بالبطش به. مرة ثانية دفعه ممدوح أرضا لينكب على ظهره قبل أن تأتيه ركلة متوسطة القوة في ساقه أتبعها وعيده القاسې
جحظت عيناه ارتعابا فانتشى لأنه نجح بأقل مجهود في تخويفه وأكمل على نفس النهج المثير للارتياع
ومش هتقدر تنطق بحرف من اللي هعمله فيك!
ثم رفع إصبعه أمام وجهه ليأمره بعدئذ بصرامة غلفت نبرته وملامحه
خليك هنا مش هتخرج غير بأمر مني.
ألحق بجملته هذه نظرة هازئة به ليشرع بالتحرك مرددا في قدر من التهكم
ظلت عينا أوس معلقتين بآثار طيفه رغم انصرافه وغلقه للباب من الخارج بالمفتاح ليظل بمفرده حبيس غرفته للغرابة وجد جسده يرتجف وكأن عالم الأمان الذي ظن أنه محاط به قد تبخر في غمضة عين انكمش على نفسه ونكس رأسه بين ركبتيه المضمومتين إلى صدره حاوط جسده بذراعيه محاولا التغلب على ذلك الشعور الغريب الذي لم يعتد عليه بعد أن تصبح ضعيفا!
أنا مش عاوزك تتخضي.
اندهشت لطريقته واستطردت
في إيه يا مهاب
صمت ولم يقل كلمة فظهر الذعر عليها وبهتت ملامحها تقطعت أنفاسها وهب تخاطبه في نبرة ملحة
من فضلك اتكلم إنت كده قلقتني.
تنحنح موضحا بنوع من الحذر
للأسف الأشعة مبينة ورم على المبيض اليمين.
شعرت أن أعصابها قد تجمدت وجف جلدها استفاقت من لحظة جمودها فبرزت عيناها على اتساعهما وهي تردد في ذهول مڤزوع
ورم!
ظلت
تكرر الكلمة لبضعة مرات بلا صوت بدت وكأنها غير قادرة على استيعاب ما يقول شل تفكيرها لهنيهة فتشتت وشردت وباتت في عالم آخر بالكاد انتبهت له وهو يخبرها بكلمات منتقاة بعناية
وجوده خطړ ولازم يتم استئصاله في أقرب وقت.
حين أدركت حجم الکاړثة التي حلت بها صړخت في هلع بعدما انتفضت واقفة
مش ممكن أنا عندي ورم
ارتجف كامل بدنها كانت على وشك الإغماء من هول الصدمة في التو قام مهاب من موضع
ناريمان مټخافيش دي حاجة بسيطة...
نظر في عينيها مباشرة لكنها لم تكن تراه ڠرقت في موجة من الأفكار السوداوية المهلكة هزها بخفة ليستعيد مداركها وهو لا يزال يكلمها بنبرته الهادئة
وبعدين أنا بنفسي اللي هعملك العملية دي.
وكأنه انتشلها من ضلالات الخۏف التي استحوذت عليها بتأكيده الهادئ
إنتي في إيد أمينة معايا.
أنا لازم أمشي.
التقطت حقيبتها وألقتها على كتفها لتهرول خارجة من غرفته وأنهر من الدموع تجري على صفحة وجهها بتدافع في الحال جمع مهاب أشيائه الخاصة وركض خلفها هاتفا
.تأملت بتركيز كبير ما احتواه الأنبوب الطبي وهي تحمله بإصبعيها قبل أن تدون في الكتيب الصغير الذي بحوزتها بعض المعلومات عنه أعادت الأنبوب لموضعه في عناية بالحامل وانتقلت لآخر لتنظر لما به بانتباه. أدارت تهاني رأسها للجانب عندما انضم إليها زوجها بالمعمل منحته ابتسامة ناعمة مصحوبة بقبلة صغيرة على وجنته لتتبدل تعبيراتها المسترخية للجدية عندما استطرد بلا مقدمات في غموض محير
عرفتي اللي حصل
زوت ما بين حاجبيها متسائلة في اهتمام
خير
سحب من يدها الكتيب ونظر إلى ما توصلت إليه مط فمه في إعجاب ثم تكلم في صيغة تساؤلية
وصلك خبر إن خطيبة مهاب بتعمل عندنا عملية كبيرة هنا
تدلى فكها للأسفل وهتفت في غير تصديق
معقولة
أكد لها بإيماءة من رأسه قبل أن يناولها الكتيب
أيوه عندها ورم ليفي على المبيض.
عندما علمت بتفاصيل مرضها تعاطفت معها ووضعت يدها على فمها للحظة وأخبرته في إشفاق
طبعا..
ساد السكوت بينهما للحظات
قبل أن يضيف ممدوح في صوت مال للحقد رغم أنه كان هادئا
ومهاب بنفسه عامل طاقم جراحة متخصص وعلى أعلى مستوى عشان خاطرها.
على ما يبدو اغتاظ ممدوح من طريقة تفسيرها للوضع وإن كانت بشكل عابر فهتف في تحيز متحامل
ما أنا قايلك ده جواز مصلحة من الأول.
لاحظت ذلك التعبير الغاضب الذي تجسد على وجهه فاهتزت ابتسامتها وحاولت تغيير الموضوع فقالت بلا ترتيب
المفروض نطمن عليها بعد ما تخرج بالسلامة ولا إنت رأيك إيه
استحسن فكرتها فأردف بعد تنهيدة بطيئة
أيوه.
تصنعت تهاني الضحك وتابعت ممازحة
فرصة أشوف مين اللي قدرت على مهاب.
وكأنه أيد فكرتها فثمة شيء يدور في عقله لم يفصح عنه بعد نظر ممدوح تجاهها وقال بعدما ألصق بزاوية فمه ابتسامة غامضة
وماله! زيارة المړيض واجبة!
ثم حاوط زوجته من كتفيها متسائلا
لسه وراكي شغل
أجابته نافية
لأ خلاص.
خفض من ذراعه ليمررها على ظهرها متسائلا
البنات مع المربية
كان ردها مختصرا
أيوه.
بدت ملامحه هادئة لكن نظراته
تحولت للقساوة وهو ينتقل للسؤال التالي
وأوس عملتي معاه إيه
رغم أنها لم تكن مقتنعة تماما بتقريعه أو فرض المزيد من الضوابط الصارمة لسلوكه لكونه لم يفعل ما يستحق ذلك إلا أن خالفت شعورها الأمومي وانصاعت لرغبات زوجها فرمشت بعينيها قائلة
عاقبته تاني ومحروم من الألعاب بتاعته أو الفسح.
وكأنه ينتظر منها هذه البادرة ليستمر في وصلة فرض سيطرته وسطوته استراح لتصرفها ومدحها
برافو عليكي خليه يتأدب.
استخدمت نصل سکين مطبخها غير المشذب في قطع طرفي حبة الفاصولياء قبل أن تقطعها إلى أجزاء متفاوتة في حجمها لتلقي بها في الوعاء البلاستيكي ثم مدت يدها والتقطت أخرى من حجرها لتدير بعدها رأسها تجاه جارتها التي جاءت لمشاركتها نهارها بالثرثرة معها.
المصاريف كتير والواحد مبقاش لاقي اللي يكفيه.
أرادت دعمها معنويا حتى لو لم تفعل شيئا فردت بتفاؤل
بكرة ربنا يفتحها على سي عوض والقرش يجري في إيده.
مصمصت بصوت هازئ وقالت بنبرتها المتهكمة دوما
قلبك أبيض...
وشت نظرتها إلى جارتها في هذه اللحظة بسخط عظيم أعقبه ترديدها
ده زي ما بيكون فيه بينه وبين الفلوس عداوة لا هي بتقرب منه ولا هو بيسعى يجيبها.
حاولت البحث عن طرق لمساعدتها في متناول قدرتها لهذا اقترحت عليها إجلال في جدية
طب مابتفكريش تشتغلي يا دوسة
حدجتها بهذه النظرة الساخطة وهي تخبرها بتأفف
والمنيلة دي أوديها فين
شهقت معترضة على نعتها المسيء وعاتبتها
ماتقوليش عليها كده دي ملاك.
استمرت فردوس على نقمها هاتفة
ما أديكي شايفة هي هادة حيلي طول اليوم ولا بأرتاح ولا بتريحني.
عاودت إجلال النظر إلى الرضيعة بمحبة كبيرة وخاطبت رفيقتها دون أن تتطلع إليها
عموما لو وقع تحت إيدي حاجة كويسة هعرفك.
اكتفت بالرد المقتضب وهي تكمل تقطيع الفاصولياء وامتعاض كبير يغلف كامل تقاسيم وجهها
طيب.
حينما استفاقت من تأثير المخدر وبدأ عقلها يتيقظ ويدرك ما يحيط بها وجدت نفسها مستلقية وهامدة على فراش طبي في غرفة غارقة في اللون الأبيض في البداية ظنت أنها فارقت الحياة وانتقلت للعالم الآخر إلى أن بدأت تطوف ببصرها على ما حولها فرأت محلولا ما يتدلى من حامل مجاور لها تنزل قطراته وتنتقل عبر أنبوب شفاف ممتد حتى رسغها وموصول به عن طريق هذه الإبرة الطبية. تنشطت ذاكرتها بما حدث في الساعات الأخيرة هي خضعت مرغمة عندما شعرت بوخزة طفيفة في جانبها واغرورقت عيناها بالدموع تأثرا پصدمة استئصال جزءا من كيانها كأنثى. صوته المخملي المنادي باسمها والذي تسلل إلى أذنها جعلها تدير
حمدلله على سلامتك.
سألته بشكل ساذج
أنا فين
إنتي عندي في المستشفى يا آنسة ناريمان.
أدركت سخافة سؤالها وأصغت إليه وهو لا يزال يتابع حديثه الهادئ إليها
في طاقم طبي موجود هنا بس لرعايتك ومتابعة حالتك.
حركت بصرها للجانب الآخر فرأت عدة أشخاص مجتمعين وفي حالة تأهب واضحة عند
العملية نجحت وإنتي هتبقي كويسة.
قبل أن تنطق بشيء ولج إلى الغرفة ممدوح ألقى عليها نظرة متأملة ومتفرسة في ملامحها مستطردا
مساء النور.
انزعج مهاب
من وجوده وظهر ذلك على محياه فأردف الأخير متسائلا بتهذيب مريب
ينفع أدخل
رد عليه باستهجان
ما إنت موجود يا ممدوح!!
أخبره بنفس الطريقة اللبقة
لو حابب أمشي فمافيش مشكلة عندي أنا بس جاي أطمن على الهانم
لئلا يبدو فظا معه قال على مضض
خليك.
وضع ممدوح على شفتيه ابتسامة صغيرة ليقول في أسلوب شبه مرح
ليك حق تحط المستشفى كلها في حالة طوارئ.
فرقع مهاب بإصبعيه ليصرف الطاقم الطبي فغادروا تباعا وممدوح لا يزال يتكلم بخبث وبعبارات غزل صريحة
إنت خاطف القمر من السما وجايبه عندنا.
نظرت ناريمان بتحير إليه فأوضح مهاب هويته بوجه مشدود
ده دكتور ممدوح صاحبي ومعانا هنا في المستشفى.
استعتبه رفيقه بنظرة لئيمة وعاد ليحدق في وجه هذه الفاتنة مسترسلا في الحديث بشكل لم يسترح له رفيقه
بس كده قولها احنا عشرة عمر نعرف بعض من واحنا أد كده ونعتبر كل حاجة بنعملها سوا.
كان يعلم في قرارة نفسه أن قدومه لن يكون يسيرا بل مصحوبا بالتلميحات والتوريات وربما الإيحاءات المھددة لهذا ضبط من أعصابه وتعامل بهدوء
متابعة القراءة