رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
الدعاء بالشكر للمولى عز وجل راجيا منه أن يرزقه المقدرة والعون على تربية رضيعته التربية الصحيحة.
في الفترة التي رحل فيها عن المنزل كانت والدته الأقرب إليه عن أي وقت مضى حيث كانت تلازمه ليل نهار وفي كل نشاط يقوم به تشاركه لهوه واستذكاره وفسحته وحتى تناوله للطعام وكأنها تعوض عن شوقها إليه بالانخراط أكثر معه في كل تفصيلة دقيقة تخص حياته ولم يمانع ذلك مطلقا أصبحت هذه الأيام هي الأكثر سعادة بالنسبة له آنئذ شعر بمدى عمق الارتباط الوثيق بينهما بدا وقتها وكأنه استعادها بعدما سلبها غيره كم تمنى أن تدوم هذه اللحظات الثمينة للأبد وألا يوجد من ينزع أو يفسد هذه الصلة القائمة لأي سبب كان! أنهى أوس مسألته الحسابية وأعطاها لوالدته لتراجع طريقة حله ظل يتأملها بعينين حانيتين قبل أن يخبرها في نزق
ابتسمت لاعترافه المتكرر دوما على مسامعها انحنت عليه وضمته إلى صدرها في عاطفة أمومية جياشة رمقته بنظرتها
الدافئة قائلة
وأنا أكتر يا أوس...
ثم أشارت إلى بطنها الذي برز بشكل واضح متابعة كلامها
وبكرة لما يبقى عندك أخ أو أخت عايزاك تحبه زيي.
سألها في عبوس طفولي
إنتي هتحبيه أكتر مني
ردت نافية وهي تهز رأسها
ثم وضعت بسمة رقيقة على وجهها وهي توصيه
وبعدين إنت هتبقى الكبير ومسئول عنه يعني هيسمع كلامك ويعمل اللي إنت عاوزه.
وكأنه استساغ الأمر فصمت مليا ليستغرق في التفكير قبل أن يتساءل بقدر من الحيرة
والنونو ده هيعيش معايا عند بابا
في التو نفت وقد غامت تعبيراتها
لأ طبعا...
حبيبي أنا مش عايزاك تنسى اللي اتفقنا عليه ماتجيبش سيرة لباباك إني حامل دي مفاجأة خلاص
حرك رأسه إيجابا وهو يرد
طيب.
مسدت على رأسها باسمة قبل أن تواصل مراجعة الجزئية التالية في واجبه الدراسي وداخلها لا يزال يلتاع لغياب من امتلك قلبها وارتحل عنها بلا محاولة واحدة للاتصال أو التواصل معها.
ولدت طب إزاي!
بتلقائية وبفم ملتو أجابها
مشيئة ربنا.
سألته في نوع من الفضول وداخلها ما زال مستعرا
بنفس الملامح المتجهمة أخبرها
بت.
علقت في ازدراء حاقد
يا مجاب الغراب لأمه!
تأهب بدري للذهاب فنهض من مقعده مرددا
أنا جيت أعرفك يا خالة بده بدل ما تسمعي من الغريب!
قامت بدورها لتصحبه لباب المنزل هاتفة في وجوم أشد
وهيفيد بإيه لا عمره عوض هيرجع ولا أنا هرضى بيها!
أوصلته إلى عتبته متابعة شكواها الحانقة
نجح في مسعاه وملأ نفسها بالشرور ناحية زوجة ابنها وكأنه بذلك يقتص لما أصاب كرامته من إهانة وتحقير فرغم مضي السنوات إلا أنه لا يزال يكن في نفسه ذلك الشعور البغيض تجاه كل من له صلة ب تهاني وضع على وجهه قناع الوداعة ليقول في براءة خبيثة
عاوزة حاجة تانية مني يا خالة
ردت عليه بما يشبه التوصية
تعيش ولو عرفت حاجة تانية بلغني يا بدري أو اتصل على الرقم اللي معاك.
ألصق بثغره ابتسامته اللئيمة قبل أن يرد
أكيد يا خالة سلام عليكم.
اقتضب في الرد عليه بعدما انصرف
وعليكم...
أغلقت الباب من ورائه وصفقت بيديها قبل أن ترفعهما للأعلى صائحة فيما يشبه الدعاء
إلهي يجيني خبرك يا فردوس يا بنت عقيلة!
قفز قلبها بين ضلوعها ورقص طربا كما غمرتها موجات متدفقة من السعادة عندما نما إلى مسامعها عودة زوجها من بعد سفر طويل وغياب موجع ظنت خلال مدة بعاده أنه هجرها بعدما نجح مهاب في التأثير عليه وجعله يفارقها جبرا. هرولت تهاني بين الأروقة في خطوات أقرب للركض لا تتناسب مع انتفاخ بطنها وآلام الحمل المسيطرة عليها اتجهت في الحال إلى مكتبه نادته قبل أن تفتح الباب وټقتحم غرفته دون استئذان
ممدوح!
في تعابير شبه ذاهلة حملق ناحيتها زوجها وكأنه لا يستوعب ما يراه شلت المفاجأة تفكيره وتخشب في موضعه بلا أدنى ردة فعل ارتمت دون مقدمات في أحضانه منحته ضمة عبرت عن شوقها واشتياقها اختنق صوتها وهي تكلمه في صوت مهموس
حبيبي...
ظلت باقية في أحضانه وصوتها شبه الباكي يردد
أنا مش مصدقة إنك موجود هنا.
لم يبد بمثل شغفها وتلهفها كان فاترا في لقائه
بها لم تشعر بذراعيه يطوقاها بل كان جامدا كالصخر مصډوما في حالة من الدهشة والتعجب تراجعت عنه لتنظر إليه ملء عينيها ويداها تنخفضان لتمسك براحتيه بكت دموع الفرحة وهي تخاطبه بأنفاس منفعلة
حمد لله على السلامة.
وضعت يديه على بطنها المتكور وهي تسأله في ترقب متحمس
إيه رأيك في المفاجأة دي
كان لا يزال على دهشته المصډومة حين سألها
إنتي حامل
ضحكت لسؤاله الساذج وكأنه لا يرى حجم بطنها المنتفخ وصححت له
قول قربت أولد.
سألها في صوت شبه جاد ويداه تتحسسان بطنها في حذر
ليه ما عرفتنيش
أجابته بعد تنهيدة عميقة
كنت عايزاك تشوف بنفسك.
صمت للحظات قبل أن يعقب بشيء من الغموض
حاجات كتير كده هتتغير!
لم تكترث بالمغزى وراء عبارته هذه بل ولم تهتم على الإطلاق بما قرر فعله أثناء أشهر غيابه المهم لديها الآن أنها استعادته وأصبح معها من جديد.
بناء على ميعاد مسبق ومرتب له التقى بها في غرفة مكتبه التي بدت أصغر من تلك التي يشغلها شقيقه الأكبر في المقر الرئيسي لشركات الجندي ومع ذلك لم يكن ممانعا من هذه المظاهر الفارغة فحينما تأتي اللحظة المناسبة سيقوم بتغيير الأوضاع وإعادة الأمور لنصابها الصحيح. انتظر مهاب ذهاب سكرتيرته الخاصة بعدما وضعت فنجاني القهوة الساخنة أمامه وكذلك أمام ضيفته ليصغي إليها مجددا في انتباه كامل وهذه البسمة العذبة تحتل شفتيه
تعرف أنا مش من السهل أتعود على حد.
داعبت ناريمان خصلة شعرها المتطايرة على جبينها وطرحتها للخلف قبل أن تستأنف استرسالها بنبرتها المرحة
بس إنت فيك حاجة غريبة غامضة مش مفهومة هي اللي دايما بتشدني ليك.
طالعها بهذه النظرة المزهوة السعيدة بقرب تحقيق واحد من أكبر انتصاراته فبعد أشهر من التخطيط والترتيب وعدم التعجل استطاع بمهاراته إيقاع هذه الطريدة الجديدة ذات الطباع المستعصية وجرها إلى حبائل وهم عشقه. بهدوء الصياد المحنك علق عليها مقتضبا وفي جدية مشوبة بالاحترام
ده شرف ليا.
ارتشفت القليل من قهوتها وأضافت في تحمس وهي تعيد وضع فنجانها في موضعه
صحيح في دمج جديد هيحصل ما بين فرع شركتنا وشركتكم.
حرك رأسه معقبا
سامي بلغني بده.
سألته في فضول ونظرة حيرى تطل من عينيها إليه
إنت ليه مش ماسك معاه الإدارة أو زي ما بيقولوا صلاحياتك تعتبر أقل منه!
جاء رده مثل تعابيره هادئا
الفترة دي مش فاضي ورايا حاجات تانية أهم.
أبدت اهتمامها بما قاله فسألته بلطافة لائقة على تدللها
زي إيه
كالعادة حينما يحب استطالة الحديث مع إحداهن وإظهار مدى تفرده عن غيره من الرجال أتى جوابه في صيغة تساؤلية
كدكتور ولا كرجل أعمال
مطت فمها قليلا ثم هزت كتفيها هاتفة
زي ما تحب.
رفع يده ليمررها في خصلات شعره ثم أخبرها بما صدمها تماما
بالمناسبة أنا مسافر تاني واحتمال أغيب فترة.
لاحظ بعينيه الثاقبتين تبدل
تعبيراتها المرحة إلى قليل من الضيق رغم محاولتها لإخفاء ذلك لم تتوقع ناريمان مثل ذلك الرد ابتلعت غصة في حنقها وسألته كنوع من المزاح لتغطي على شعور الانزعاج الذي تسلل إليها
ناوي تتجوز ولا إيه
نظر إليها بعمق فتوردت بشرتها من طريقة تطلعه ليقول بعدها في مكر وبكلمات موحية ذات مدلول خطېر
لو نويت مش هيكون غير عشان واحدة وبس ده لو وافقت.
تحفزت في جلستها بشكل مربك وسألته وهي ترمش بعينيها
مين دي
في بطء وتمهل أرجع ظهره للخلف وقال في غموض مثير
أفضل أحتفظ بالجواب لنفسي حاليا مش حابب أخسرها وخصوصا بعد ما بقت أقرب واحدة ليا.
تلميحاته المفهومة لها جعلتها تزداد اهتماما به حاولت مواراة ما تكنه ناحيته وردت في ابتسامة رقيقة كعادتها مؤخرا معه
قبل ما تسافر عرفني جايز أودعك في المطار.
بادلها الابتسام الماكر وأومئ
برأسه مؤكدا لها
حاضر بالعكس أنا حابب ده.
استمرت على تبسمها الخجل قبل أن تمسك بفنجان قهوتها لتكمل ارتشاف ما تبقى منه ونظرات مهاب تتفرس فيها كحيوان ضار يتربص بطريدته الشهية.
بشكل غير اعتيادي انتفخت عروق وجهه واسودت كامل ملامحه حتى عينيه تحولتا للون القاتم عندما أبلغه رفيقه بعد عودته من سفره بمسألة حمل تهاني أحس مهاب بالغباء لكونها نجحت في إخفاء هذا الأمر الجلل عنه تماما فلم يشك للحظة بها ولم يشعر بأنها تحيك مکيدة من خلفه اشتاط ڠضبا لوضعه في موقف الأحمق الجاهل وصاح معنفا صديقه في غيظ
وإنت إزاي تسمحلها تحمل مش عامل احتياطاتك معاها ولا إيه
استغرب ممدوح من الانفعال الذي أصبح عليه وسأله في برود مناقض له محاولا سبر أغواره الغامضة
وده يضايقك في إيه
صاح في تشنج غريب وكأنه اتخذ الأمر على محمل شخصي
أه طبعا مضايقني لأن المفروض نخلص من تهاني وجودها مالوش لازمة في حياتنا دلوقتي.
للغرابة استمتع ممدوح للمرة الأولى برؤيته على هذه الحالة الحانقة بدا وكأنه تفوق عليه بعد صراع ممتد معه استرخى في جلسته ونظر إليه بقدر من العجرفة قبل أن يخبره
بس هي أمرها يهمني.
رمقه بهذه النظرة الڼارية وهو يسأله في تحفز
وده من إمتى
ادعى ممدوح تثاؤبه وقال
من زمان بس مكونتش متأكد.
استفزته طريقته في التعامل مع جدية الوضع بهذا القدر من اللامبالاة والاستهتار فرغبته في التخلص منها ازدادت بعدما توطدت صلته ب ناريمان وبطبيعة الحال لم يحبذ أبدا أن تكون على أي نوع من الصداقة معها وإلا لكشفت لها الصندوق الأسود لشخصيته الساډية لهذا علق عليه في تعصب أكبر
ودلوقتي بقيت مش قادر تستغنى عنها إنت بتستهبل يا ممدوح
كان الأخير في أوج نشوته أخبره في لؤم مغيظ له
أيوه وخصوصا بعد ما بقت حامل في ابني...
ثم تصنع الضحك بعدما رأى هذا التعبير الغاضب متجسدا على وجهه ليزيد من سوء الأمر بإتمام جملته
كده عيالنا هيبقوا إخوات.
لم يتحمل سخافاته المستفزة فهدر به في انفعال جلي
ما تسكت بقى يا ممدوح!
لم يكف عن مضايقته واستمر يقول في تسلية
شوف الزمن والحظ مين كان يصدق.
حذره مهاب بلهجة غير متساهلة حينما ظل على طريقته المستثيرة للأعصاب
ممدوح!!!
توقف عن إغاظته فقد نال مبتغاه منه نهض من مقعده قائلا بوجه مبتسم على الأخير
واضح إن أعصابك تعبانة أسيبك ترتاح من السفر وأروح أنا لمراتي وابني...
وقبل أن يغادر أخبره
لو عايز أبعتلك أوس يومين خده...
ثم غمز له بطرف عينه متابعا كلامه العبثي
ما إنت عارف الحوامل بيحبوا الحنية والدلع وأنا سيد من يدلع!
بالكاد ضبط مهاب
متابعة القراءة